Abstract:
يسلط موضوع الدراسة الضوء على الأزمة السورية في السياسية الخارجية التركية في الفترة الممتدة مابين 2002 وحتي 2019م ،وجاء الاهتمام بالأزمة الدائرة في سوريا من زاوية التداعيات التي خلفتها الأزمة على العلاقات الدولية، وتعد تركيا من بين أبرز الاطراف المحركة للأحداث في سوريا حاليا، فالأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية للأزمة السورية تدفع تركيا للتدخل في سوريا حفاظا على مصالحهم الأساسية.
ومما سبق يتضح أن المواقف التركية حيال الأزمة السورية اتسمت بنوع من التدرج والتصاعد البطيء في التعاطي مع تطور الأوضاع في سوريا عكس الاعتقاد السائد عند الكثيرين بأنه كانت مع النظام ثم انقلبت عليه، فقد تبين أن التعاطي التركي كان في بادئ الأمر بطيء وحذر، حاول الاستفادة من الفرصة التاريخية التي أوجدتها الثورات العربية بصفة عامة، والثورة السورية وبالأخص من خلال الدفع بالنظام إلى القيام بالإصلاحات التي تلبي مطالب المحتجين وبذلك يتحقق الانتقال الديمقراطي المطلوب وتطرح أنقرة نفسها كقوة إقليمية ذات تأثير إيجابي، ومختلفة في المنطقة يمكنها المساهمة في حل المشاكل التي تتعرض لها المنطقة،مم يسهم في مضاعفة رصيدها لدى القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية كحليف مهم يمكن الاعتماد عليه، غير أن استمرار النظام السوري في التعنت، وانتهاج الخيار القمعي في مواجهة المحتجين العزل، دفع بتركيا إلى تشديد الخطاب تجاه الأسد بدأ بتكذيب ونفي صدقية رواياته عن الأحداث، وصولا إلى دعوته إلى التنحي وترك الشعب السوري يقرر بنفسه، وتبعها الانخراط المباشر في مسار إسقاط الأسد ونظامه، بشتى الوسائل المتاحة خاصة بعد تحول الثورة السورية عن مسارها، وتحولها إلى حرب أهلية.
وقد كانت تكلفة هذا التورط التركي في الأزمة السورية باهظة الثمن على تركيا التي تعاني أصلا من مجموعة من المشاكل الداخلية، فقد خلقت الأزمة السورية تداعيات مختلفة على الأمن القومي التركي بتزايد حدة الأعمال الإرهابية والتفجيرات مثل تفجير أنقرة وتفجير اسطنبول، كما فتح الملف الكردي على مصراعيه، كانتقام مباشر من أنقرة على مواقفها فقد قدم النظام السوري كل التسهيلات لحزب العمال الكردستاني من أجل إعادة تفعيل نشاطاته في العمق الكردي، كما منح الأكراد في الشمال السوري نوع من الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي وهو ما شكل تهديد حقيقي لتركيا التي حوالي 20% من سكانها أكراد، وما زاد من تعقيد الأمر أكثر هو التدخل الروسي الذي أمن الحماية الجوية اللازمة لعمل وحدات حماية الشعب الكردي التي تعتبرها تركيا امتداد لحزب العمال التركي، وهو ما شكل تهديد حقيقي ليس على أمن تركيا فقط، بل على شكلها ومستقبلها كوحدة جغرافية مهددة بالتقسيم.
أضف إلى ذلك، على الاقتصاد التركي الذي تعرض إلى عدة هزات خاصة بعد حزمة العقوبات الروسية على تركيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية من طرف تركيا، الأمر الذي خلق تحديات عديدة على تركيا وقلص من دورها في الأزمة السورية بلى أدى إلى استبعاده من مجريات المعارك التي تدور بالمقربة من الحدود الجنوبية التركية في حلب كبر مدن الشمال، مما أدى إلى تزايد تدفق اللاجئين إلى تركيا التي وجدت نفسها منهكة اتجاه هذه الأعداد الغفيرة الفارة من المعارك، ما عجل بدخولها في اتفاق مع الأوروبيين لم يرضي جميع صناع القرار التركي.
كما لم تتوقف التداعيات عند هذا الحد، فقد تأثرت علاقات تركيا الخارجية سواءا مع الدول المجاورة او القوى الكبرى، فقد شهد العلاقات مع كل من إيران والعراق توتر شديد ترجم في تصريحات المسئولين في البلدين وفي العديد من المرات، نتيجة الاختلاف في المواقف من الثورة السورية التي أدت إلى تشكيل محاور جديدة في المنطقة على أسس دينية بامتياز فقد اصطفت كل من إيران الخارجة من العقوبات الدولية في الفترة الأخيرة بسب الاتفاق على البرنامج النووي، مع كل من العراق التي يحكمها الشيعة وحزب الله اللبناني إلى جانب نظام الأسد الذي يشاركهم نفس العقيدة، في حين شكلت الأزمة السورية مجالا لتقارب بين كل من تركيا وسعودية وقطر التي تخندقت في معسكر إسقاط النظام.
وقد مثل هذا الاصطفاف الطائفي خسارة سياسية كبيرة لحكومة حزب العدالة والتنمية التي لطالما رفضت سياسة المحاور، وركزت على التعاون بين دول المنطقة، وفقد الكثير من تميزها كحكومة علمانية تتسع للجميع، فبدت كغيرها من النظم و الحكومات الطائفية في المنطقة، أما بالنسبة لأردوغان الذي فقد أيضا من شعبيته الكثير في المنطقة، فقد تكرس فشله في الأزمة السورية بعد المصرية التي خرج منها خالي الوفاض لصالح السعودية، و بدا كحاكم عسكري لتركيا حين أمر بفض اعتصام ساحة التقسيم في اسطنبول الذي نظمه الناشطين من أجل البيئة، وكذا حين أمر بحجب موقع التواصل الاجتماعي التويتر بسب تسريبات حول أحد اجتماعاته، وتواصل الأمر كذلك بملاحقة الصحفيين وإغلاق الصحف والجرائد بسب الحديث عن شخصه أو سياسة في سوريا.