Abstract:
فقد شرع الله لعباده التبادل والتداول للأموال والسلع بما يخدم مصالحهم وييسر عليهم
الضرب في الأرض وإعمارها، وأحاطهم بأحكام وضوابط تصونهم عن الحرام وتضمن
لهم الكسب الحلال، فيكونوا بذلك أهلا للخلافة في الأرض ما تمسكوا بها وطبقوها في
معاملاتهم، ولما كان الشرع الإسلامي شاملا لكل مناحي الحياة، صالحا لكل الأزمنة
والأماكن، مستوفيا لكل حادث وطارئ في تعاملات البشر، فقد واكب كل معاملاتهم وتغيرها
الدائم وتشابكها المعقد، فحفظ حقوقهم وأموالهم وجنبهم الجمود والتأخر بما منحهم من مرونة
نابعة من أصوله السماوية الثابتة على مر الأزمان.
وقد ظهر ذلك واضحا جليا في الجانب الاقتصادي والذي يعد بحق من أهم العوامل
والمحركات للتطور السريع في عالمنا اليوم، فقد قامت عليه عديد النظريات والفلسفات التي
اضطربت وتصادمت بقدر فاق كثيرا ما حققته من منافع ومصالح للبشرية، فجاء الإسلام
بشموليته وعظم أفكاره مقدما منهجا متكاملا قويما عادلا، حائلا دون طغيان أرباب المال
وزبانيته واستغلالهم لغيرهم من ذوي الحاجات، ولقد اجتهد أهل العلم والدين من هذه الأمة
المباركة فتصدوا لكل جديد ومستحدث وأبانوا رأي الشرع فيه وموقفه منه، منطلقين من
ثوابت القرآن الكريم والسنة الشريفة، فأنشأوا دستورا ضم قواعد تبين أحكام كل حديث
وجديد؛ ولأن المعاملات في الشريعة الإسلامية أساسها الإباحة والإطلاق، فقد نالت قدرا
واسعا من هذه القواعد والضوابط حتى لا يُستغل إطلاقها ويُتمادي بإباحتها، فتصير جورا
وظلما، وكان القبض وهو مقصد المتعاقدين وغايتهما من أهم ما يدرس في هذا الباب، حتى
تستبين أحكامه وتنجلي، وتٌنزل على الحوادث والمعاملات التقليدية والمستحدثة.