Abstract:
بداية أحمد الله على عونه وتوفيقه لإتمام هذه الدراسة التي اخترت لها عنوان "استجابة القراء لشعر ابن الفارض" ولعل اختياري لهذا الموضوع راجع لأسباب ذاتية وموضوعية، ففكرة إنجاز دراسة بحثية حول النص الصوفي ما فتئت تراودني بعد أن سنحت فرصة سابقة ملامسة بعض تجلياته، فكانت الداعي لاقتحام عوالمه مهما التبس أسلوبه وتمنعت معانيه، بالإضافة إلى المكونات النفسية والثقافية التي كان للها أثر بالغ في تقبله. أما الأسباب الموضوعية فتتعلق بإقصاء النص الصوفي من التراث النقدي والأدبي، وهو ما فوت علي الحراك النقي والفكري فرصة الإنصات لهذا التيار، ومن ثم كشف الستار عن منابعه واستكناه دلالاته، لا سيما أن قراءة النص الصوفي لا يمكن أن تكون نهائية، وما كتب عنها في مجمله يتسم بالمتابعة التاريخية الوصفية يتغيا إصدار الأحكام القضائية، تفعيلاً لسلطة مذهبية تتعامل مع ظاهر النص لا من خلال حمولاته الدلالية الاحتمالية، وقد وقع الاختيار على شعر ابن لفارض باعتباره ترجمة فنية لأحواله النفسية، ومن ثم القضايا التي يثيرها هذا النص التي عبر عنها باستخدام الرمز والإشارة مما ترتب عليه اختلاف القراء في الاستجابة لشعره، فقد سجل شعره حضوراً لافتاً متضمناً لدلالات كثيرة تطرح نفسها موضوعاً خصباً وفق آليات نظرية التلقي.
إذ كان ابن الفارض أحد الصوفية الذين اختلف الناس حولهم وذهبوا مذاهب شتى في أمر ما قيل بلسان الحال، مما جعل المسائل التي عرض لها في غاية الدقة والخفاء، واختلاف قرائها، وتفاوت دواعيها، واصطباغها بهذه الصبغة النفسية التي تجعل فهمها عسيراً على الذين لم يكابدوا أحواله ومواجيده، أو الذين يريدون أن يخضعوا هذه المسائل للعقل، ولما كان هذا فقد ترتب علينا أن نقف من شعر ابن الفارض ومذهبه موقفاً معتدلاً، فجاءت هذه الدراسة لبيان شعره من خلال رصد استجابة القراء وتأويلهم ما يحتاج إلى التأويل من هذه الأقوال والأحوال. والهدف الأساسي الذي تسعى هذه الدراسة الوصول إليه هو رصد تحولات المعنى في الخطاب الصوفي متمثلاً في شعر ابن الفارض، ومدى قابلية شعر ابن الفارض لاستيعاب آليات القراءة وإمكانات التأويل ومحاولة قراءة التراث وفق معطيات الرؤى النقدية المعاصرة.