Abstract:
تدرك تركيا بأن مسار الأحداث في سوريا له تأثير كبير على أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية وعلاقاتها الإقليمية، لذا فهي تسعى بأن تكون طرفاً فعال في الساحة السورية من خلال ما تمتلكه من مقومات التأثير وطبيعة توجهات نظامها السياسي و موقعها الجغرافي. وهى تدرك أن ما يجري في سوريا، يؤثر بشكل مباشر في معادلة التوازن الإقليمي، مما يعيق الإستراتيجية التركية في المنطقة.
في نفس الوقت شكلت هذه الأحداث قلقاً من احتمال محاولة ضرب مرتكزات الدول المركزية ومنها تركيا، وتُعبر الرؤية الإستراتيجية التركية عن اهتمامها بسوريا من منطلق الاستجابة للموقع الجيوسياسي و الأيديولوجي الذي يفرض عليها الاهتمام بالاعتبارات الإقليمية المحيطة بها كمصدر تهديد للأمن القومي التركي أو إقامة علاقات اقتصادية ذات فائدة للصالح الوطني أو كمجال للحركة والنفوذ الإقليمي، وهو ما يتطلب منها مزيداً من الانخراط في هذه الأحداث.
فالتوجه الاستراتيجي لتركيا، نحو المشاركة في ترتيب أوضاع الأحداث في سوريا والمنطقة وصياغتها ورسم تصوراتها المستقبلية ليس بالأمر المستجد ولكن الجديد هو المدى الذي اندفعت به تركيا نحو التدخل في الشأن السوري والذي لم يقتصر بالتأكيد على الجوانب الاقتصادية والسياسية بل قد تعداه إلى جوانب أمنية وعسكرية أيضاً، لاسيما أن تركيا تحتل موقعاً استراتيجياً حساساً في بيئة إقليمية مضطربة، وفي ضوء إعادة تعريف مكانة تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية، لجأت حكومة حزب العدالة والتنمية، إلى اعتماد رؤية جديدة للدولة تغيرت بموجبها النظرة إليها من كونها "هامشا" أو "جسرا" بين الشرق والغرب، إلى دولة "مركزية " و "حاسمة" أما إقليمياً فتغيرت تصوراتها عن المنطقة المحيطة بها من كونها مصدراً للتهديدات إلى "عمق استراتيجي" تتوافر فيها العديد من المقومات والفرص، وأما في الساحة الدولية، فتحول التصور عنها من مجرد دولة "تابعة" تعمل وفق متطلبات حلفائها واستراتيجياتهم، إلى دولة ذات مسؤولية لها أولويات واستراتجيات "مستقلة" وتسعى إلى إنتاج سياسات دولية.